لطالما كانت غوغل مرادفاً للقوة المهيمنة في عالم البحث عبر الإنترنت، حيث يهيمن محرك بحثها على السوق بلا منافس. ومع ذلك، يواجه العملاق الأمريكي الآن منافساً جديداً قد يُغيّر قواعد اللعبة: الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يُعيد تشكيل ملامح التكنولوجيا العالمية.
في وقت أصبح فيه الذكاء الاصطناعي التوليدي القوة المحركة في العديد من الصناعات، بدأ البعض يتنبأ بزوال إمبراطورية غوغل. هذه التوقعات تجد صدى لدى عدد من الشخصيات البارزة في عالم التكنولوجيا، مثل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI مالكة ChatGPT، الذي يعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يزيح غوغل من مكانتها. كما يشير بيل غيتس إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يتحول إلى وسيلة رئيسية لإجراء عمليات البحث، مما يقلل الحاجة إلى زيارة المواقع التقليدية.
ومن المفارقات أن غوغل نفسها استخدمت هذا التصور للذكاء الاصطناعي كحجة في مواجهة دعاوى قضائية تتهمها بممارسات احتكارية، حيث أشارت إلى أن هذه التقنيات الجديدة قد تغير طريقة البحث، مما قد يُهدد مكانتها.
ورغم هذه التوقعات، هناك من يرى أنه يجب الحذر في الحكم على مصير غوغل. فعلى الرغم من العديد من التنبؤات السابقة حول زوال المحرك، إلا أن غوغل نجحت في التغلب على العديد من المنافسين، بل استفادت من التغييرات التكنولوجية. وعلى الرغم من تزايد استخدام منصات مثل تيك توك وفيسبوك وReddit في البحث عن المعلومات، إلا أن غوغل حافظت على مكانتها، بل ازداد استخدامها مع زيادة الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
تاريخ طويل من التحديات الفاشلة
وفقاً لتقرير صادر عن The Washington Post، فإن التوقعات بزوال غوغل ليست جديدة. في السابق، كان يُتوقع أن تضعف غوغل بسبب الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، ولكن هذه التوقعات باءت بالفشل. بل على العكس، ساعدت هذه التقنيات في تعزيز مكانة غوغل، حيث أصبح البحث عبر محركها أكثر أهمية. هذا التوجه انعكس في الأرقام، حيث ارتفع عدد عمليات البحث عبر غوغل من مليارات في عام 2010 إلى تريليونات اليوم، وبلغت إيرادات الشركة من الإعلانات في عام 2024 نحو 200 مليار دولار، مُعظمها مرتبط بالبحث.
خيارات غوغل أمام المستقبل
تؤكد هيلدا معلوف، مستشارة الذكاء الاصطناعي المعتمدة من جامعة أكسفورد، أن الذكاء الاصطناعي قد يمثل تحدياً حقيقياً لغوغل، ولكنه في الوقت ذاته فرصة لتحسين مكانتها. فغوغل تاريخياً لا ترفض التكنولوجيات الجديدة، بل تسعى إلى تبنيها. وفي ضوء ذلك، من المحتمل أن تتبنى غوغل الذكاء الاصطناعي التوليدي كأداة لتحسين تجربتها في البحث.
وتشير معلوف إلى أن غوغل قد تختار التحالف مع هذه التكنولوجيا لتظل متفوقة في عالم البحث. فقد اعتادت غوغل على التكيف مع التحولات التكنولوجية، مثل انتقال المستخدمين من أجهزة الكمبيوتر إلى الهواتف الذكية، وفي كل مرة كانت تظهر هذه التنبؤات حول انهيارها، نجحت في التكيف معها.
غوغل والذكاء الاصطناعي: ترقية أم تهديد؟
في ظل هذه التحولات، يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي ليس نهاية غوغل، بل هو فرصة لترقيتها. ففي المستقبل، قد يتحول محرك البحث من أداة لعرض الروابط إلى نظام ذكاء اصطناعي يتيح للمستخدمين الحصول على إجابات فورية ودقيقة من خلال محادثات ذكية. وقد استثمرت غوغل في تقنيات مثل Gemini، محرك البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي، لتعزيز قدرتها في هذا المجال.
الاستمرار في القمة
يؤكد فادي حيمور، المطور التقني، أن التنبؤات السابقة بزوال غوغل كانت خاطئة، وأن هذا التوقع سيظل كذلك في المستقبل. إذ سارعت غوغل إلى تطوير نموذجها الخاص بالذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل نموذج Gemini، لمواجهة تحديات شركات مثل OpenAI. ويعتبر حيمور أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تحولاً في كيفية حصولنا على المعلومات، حيث سيُقدّم إجابات مخصصة وفعّالة، مما يُعيد تشكيل عادات البحث لدى المستخدمين. ورغم المنافسة، يعتقد حيمور أن غوغل ستظل في موقع قوي نظراً لاستثماراتها الكبيرة وقدرتها على التكيف مع التغيرات.
ختاماً، يظل محرك بحث غوغل في موقف قوي رغم التحديات التي يواجهها من الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الجديدة. لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيعيد صياغة طريقة البحث عبر الإنترنت، لكن غوغل، التي أثبتت قدرتها على التكيف مع التحولات، قد تجد في هذا التغيير فرصة لتعزيز موقعها بدلاً من تهديده.